فصل: تفسير الآيات (104- 107):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (87- 89):

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)}
قوله عز وجل: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} أي أهلكها، قاله قتادة. فذكر لنا أن زروعهم وأموالهم صارت حجارة منقوشة، قاله الضحاك.
{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: بالضلالة ليهلكوا كفاراً فينالهم عذاب الآخرة، قاله مجاهد.
الثاني: بإعمائها عن الرشد.
الثالث: بالموت، قاله ابن بحر.
الرابع: اجعلها قاسية.
{فَلاَ يُؤْمنُوا حَتَّى يَرَُواْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} قال ابن عباس هو الغرق.
قوله عز وجل: {قَالَ قَدْ أُجِيبت دَّعْوَتُكُمَا} قال أبو العالية والربيع: دعا موسى وأمَّن هارون فسمي هارون وقد أمّن على الدعاء داعياً، والتأمين على الدعاء أن يقول آمين.
واختلف في معنى آمين بعد الدعاء وبعد فاتحة الكتاب في الصلاة على ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه اللهم استجب، قاله الحسن.
الثاني: أن آمين اسم من أسماء الله تعالى، قاله مجاهد، قال ابن قتيبة وفيه حرف النداء مضمر وتقديره يا آمين استجب دعاءنا.
الثالث: ما رواه سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آمين خَاتَمُ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ» يعني أنها تمنع من وصول الأذى والضرر كما يمنع الختم من الوصول إلى المختوم عليه.
وفرق ابن عباس في معنى آمين بين وروده بعد الدعاء وبين وروده بعد فاتحة الكتاب فقال: معناه بعد الدعاء: اللهم استجب، ومعناه بعد الفاتحة: كذلك فليكن.
قال محمد بن علي وابن جريج: وأخّر فرعون بعد إجابته دعوتهما أربعين سنة.
{فَاسْتَقِيمَا} فيه وجهان:
أحدهما: فامضيا لأمري فخرجا في قومهم، قاله السدي.
الثاني: فاستقيما في دعوتكما على فرعون وقومه، وحكاه علي بن عيسى.
وقيل: إنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن لأن دعاءه موجب لحلول الانتقام وقد يجوز أن يكون فيهم من يتوب.

.تفسير الآيات (90- 92):

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}
قوله عز وجل: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} معنى ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض، والنجوة المكان المرتفع وقوله تعالى: {بِبَدَنِكَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني بجسدك من غير روح، قاله مجاهد.
الثاني: بدرعك، وكان له درع من حديد يعرف بها، قاله أبو صخر، وكان من تخلف من قوم فرعون ينكر غرقه.
وقرأ يزيد اليزيدي {نُنَجِّيكَ} بالحاء غير معجمة وحكاها علقمة عن ابن مسعود. أن يكون على ناحية من البحر حتى يراه بنو إسرائيل، وكان قصير أحمر كأنه ثور.
{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً} يعني لمن بعدك عبرة وموعظة.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} فيه قولان:
أحدهما: أنه الشام وبيت المقدس، قاله قتادة.
الثاني: أنه مصر والشام: قاله الضحاك.
وفي قوله: {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} تأويلان:
أحدهما: أنه كالصدق في الفضل.
والثاني: أنه تصدق به عليهم.
ويحتمل تأويلاً ثالثاً: أنه وعدهم إياه فكان وَعْدُه وعْد صدق.
{وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} يعني وأحللنا لهم من الخيرات الطيبة.
{فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَآءَهُمُ العِلْمُ} يعني أن بني إسرائيل ما اختلفوا أن محمداً نبي.
{حَتَّى جَآءَهُمُ الْعِلْمُ} وفيه وجهان:
أحدهما: حتى جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي كانوا يعلمون أنه نبي، وتقديره حتى جاءهم المعلوم، قاله ابن بحر وابن جرير الطبري.
والثاني: حتى جاءهم القرآن، قاله ابن زيد.

.تفسير الآيات (94- 97):

{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)}
قوله عز وجل: {فَإن كُنتَ في شَكٍّ مِّمَّآ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ} هذا خطاب من الله لنبيه يقول: إن كنت يا محمد في شك مما أنزلنا إليك، وفيه وجهان:
أحدهما: في شك أنك رسول.
الثاني: في شك أنك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل.
{فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكَتَابَ مِن قَبْلِكَ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أراد مَنْ منهم مثل عبد الله بن سلام وكعب الأحبار، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه عنى أهل الصدق والتقوى منهم، قاله الضحاك.
فإن قيل: فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم شاكاً؟ قيل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاَ أَشُكُ وَلاَ أَسْأَلُ» وفي معنى الكلام وجهان: أحدهما:
أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره من أمته، كما قال تعالى: {يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ} الآية [الطلاق: 1].
والثاني: أنه خطاب ورد على عادة العرب في توليد القبول والتنبيه على أسباب الطاعة. كقول الرجل لابنه: إن كنت ابني فبرّني، ولعبده إن كنت مملوكي فامتثل أمري، ولا يدل ذلك على شك الولد في أنه ابن أبيه ولا أن العبد شاك في أنه ملك لسيده.
{فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي من الشاكّين.
قوله عز وجل: {إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: إن الذين وجبت عليهم كلمة ربك بالوعيد والغضب لا يؤمنون أبداً.
الثاني: إن الذين وقعت كلمته عليهم بنزول العذاب بهم لا يؤمنون أبداً.

.تفسير الآية رقم (98):

{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}
قوله عز وجل: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتُ فَنَفَعَهآ إيمَانُهَا} والمراد بالقرية أهل القرية. {إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} وهم أهل نينوى من بلاد الموصل فإن يونس عليه السلام وعدهم بالعذاب بعد ثلاثة أيام، فقالوا: انظروا يونس فإن خرج عنا فوعيده حق، فلما خرج عنهم تحققوه ففزعوا إلى شيخ منهم فقال: توبوا وادعوا وقولوا يا حي حين لاحي، ويا حي يا محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل والدة وولدها، وخرجوا من قريتهم تائبين داعين فكشف الله عنهم العذاب كما قال تعالى: {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وفيه وجهان:
أحدهما: أنهم تابوا قبل أن يروا العذاب فلذلك قبل توبتهم، ولو رأوه لم يقبلها كما لم يقبل من فرعون إيمانه لما أدركه الغرق.
الثاني: أنه تعالى خصهم بقبول التوبة بعد رؤية العذاب، قال قتادة: كشف عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم ولم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميل.
{وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حينٍ} فيه تأويلان:
أحدهما: إلى أجلهم، قاله السدي.
الثاني: إلى أن يصيرهم إلى الجنة أو النار، قاله ابن عباس.
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن الحذر لا يرد القدر، وإن الدعاء يرد القدر، وذلك أن الله تعالى يقول: {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} قال عليّ رضي الله عنه ذلك يوم عاشوراء.

.تفسير الآيات (99- 103):

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه إلا بأمر الله تعالى، قاله الحسن.
الثاني: إلا بمعونة الله.
الثالث: إلا بإعلام الله سبل الهدى والضلالات.
{وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أن الرجس السخط، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه العذاب، قاله الفراء.
الثالث: أنه الإثم، قاله سعيد بن جبيرٍ.
الرابع: أنه ما لا خير فيه، قاله مجاهد.
الخامس: أنه الشيطان، قاله قتادة.
وقوله: {عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} يعني لا يعقلون عن الله تعالى أمره ونهيه ويحتمل أنهم الذين لا يعتبرون بحججه ودلائله.

.تفسير الآيات (104- 107):

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}
قوله عز وجل: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلِّدِينِ حَنِيفاً} أي استقم بإقبال وجهك على ما أمرت به من الدين حنيفاً، وقيل أنه أراد بالوجه النفس.
و{حَنِيفاً} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أي حاجاً، قاله ابن عباس والحسن والضحاك وعطية والسدي.
الثاني: متبعاً، قاله مجاهد.
الثالث: مستقيماً، قاله محمد بن كعب.
الرابع: مخلصاً، قاله عطاء.
الخامس: مؤمناً بالرسل كلهم، قاله أبو قلابة قال حمزة بن عبد المطلب:
حمدت الله حين هدى فؤادي ** من الإشراك للدين الحنيف

السادس: سابقاً إلى الطاعة، مأخوذ من الحنف في الرجلين وهو أن تسبق إحداهما الأخرى.